الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة عُرِض بـ حمّام الأنف- "الجايدة": عندما تعيد سلمى بكّار قراءَة حقبة ظلماء من تاريخ المرأة التونسيّة

نشر في  30 ديسمبر 2017  (15:24)

أعادت دار الثقافة بمدينة حمّام الأنف خلال النصف الثاني من شهر ديسمبر 2017 الرّوح والنفس السينمائي لمدينة البايات، والتي كانت على ٱمتداد عهودٍ من الزمن قلبا ينبضُ فكرًا وفنّا، حيثُ إحتضن فضاء وزارة الثقافة أيّاما سينمائية محضة عُرضت خلالها أبرز إنتاجات الفنّ السابع المحليّة، ورغم غياب الجمهور بالصفة التي كانت متوقّعة، فإنّ من القلّة التي واكبت لم تندم على الحضور.

موقع الجمهورية تابعَ عبر مراسلهِ إختتام هذه التظاهرة التي نثمّن مجهودات الساهرين على إنجاحها، وقد تمّ الإختيار على عرض شريط "الجايدة" للمنتجة والمخرجة إبنة مدينة حمام الأنف سلمى بكّار، فيلمٌ كان لهُ شرف التواجد في تظاهرة أيام قرطاج السينمائية في دورتها الأخيرة، ولكي نكون أُمناء في نقل الصورة، نودّ أن نسوق ملاحظة هامشية، وهي التأخر نسبيا في إعطاء ضربة بداية "الجايدة" لأسباب قيل عنها أنّها تقنية بحتة...

"دار جواد" أو سجن النساء، رواية سينمائية توثيقيّة إشتغلت من خلالها المخرجة والمؤلّفة سلمى بكّار على سرد جزءٍ من حقية تاريخية مفصليّة، من زاوية محدَّدة ومختزلة، تروي معاناة المرأة التونسية أوائل الخمسينات وقبيْل تحقيق الإستقلال، عندما كانت توصَف بـ "ماهِي إلّا مرا"، لترزح حينئذٍ بين مطرقة الأحكام الشرعية الجائرة وسندان مجتمعٍ ذكوري "عنجهيّ" لا ينظر إلى المرأة سوى خادمةٍ لهُ وملبّية لرغباته وإحتياجاته، سيناريو وإن سلّط الضوء على فترة سوداءَ قاتمة في تاريخ المرأة، فإنّهُ تغافل ولو تعريجاً على نظالاتها المشهودة ومقاومتها للعدوّ الإستعماري من أجل الإنعتاق وتكسير أغلال الذلّ والمَهانة.

وجيهة الجندوبي، وسهير بن عمارة، ونجوى زهير، دون أن ننسى الدور المحوري للؤلؤة فاطمة بن سعيدان، وغيرهنّ من ألمع نجمات التمثيل، تقاسمن بطولة "الجايدة"، ليقدّمن ببراعة فائقة وحرفيّة معهودة قصّة محبوكة دارت جلّ وقائعها في منزل مغلق أشبه بسجنٍ مصفّد الأبواب، يحتضن في رحابه "الضيّق" عالمًا نسائيا بٱمتياز، لعددٍ من المحكومات "قانونا مجتمعيا وشرعا دينيا" بالسجن مع الأشغال الشاقة، والقاسم المشترك بينهنّ جبروت الرجل وتحجّرهِ الفكري في علاقة بزوجته وأختهِ المتعنّتة والمارقة عن ناموسهِ المتسلّط.

لم تكن المذاهب قبل الإستقلال ملائمة للمرأة، ولا القوانين مناصِرة لها، ولا المجتمع القاسي كافأ نضالاتها، فما عاشت على وقعه التونسيّة آنذاك لا تطيق أي نفس تجشّمه، حتى أتت بوادر الخلاص بعودة الزعيم الحبيب بورقيبة من المنفى، ومن ثم إعلان مجلة الأحوال الشخصية، لتطوي المرأة في تونس ورقات بائسة من ضربٍ لحقوقها وتعدٍّ على كرامتها... لكنها إلى اليوم لا تزال متربصة بأعدائها، رغم ما حقّقته من مكاسب، ولولا المرأة، لما كنّا رجالًا!

ماهر العوني